Nov 13, 2010

الشيطان يحكم

أحيانا تراودني الرغبة في البكاء مثل طفل صغير يتيم تاهت عنه أمه في الزحام
و أشعر في تلك اللحظات أننا جميعا أطفال لا فرق كبير يذكر بيننا و بين أطفالنا في علمنا و معارفنا و أخلاقنا
...
يخيل إلينا أننا اخترقنا السماوات بعلومنا. و لو فكرنا قليلا لوجدنا أننا مازلنا في حروف أ . ب . ت . ث .. و أننا كأولادنا على عتبة واحدة من الحيرة و التساؤل و الجهل.
يقول لك طفلك و هو يشاورعلى القمر: من أين جاءوا بهذا القمر يا أبي؟
و تجاوب عليه بكلام كثير. و تتلو عليه نظريات و افتراضات خلاصتها أنه لا أحد يعرف الحقيقة. و لا حتى أينشتين نفسه
و يسألك طفلك عن جده الذي مات أين ذهب منذ موته..
و عن اخيه الذي ولد أين كان قبل مولده..
فلا تعرف جوابا..
فلا أحد يعرف ماذا قبل الميلاد و لا ماذا بعد الموت. و لا من أين. و لا إلى أين

و يشاور لك على الكهرباء و يقول ما هذا؟ فتقول الكهرباء
و يسأل ما هي الكهرباء فلا تجد جوابا.
و يسأل من أين أتت الكهرباء؟؟
فتحكي له حكاية طويلة عن ماكينات النور و وابور النور. و أنت لا تدري ما النور. و لو سألت علماء الطبيعة كلهم ما وجدت فيهم واحدا يستطيع أن يدلك على ماهية النور و كنهه، و لا حتى نيوتن، و لا أفوجادرو، و لا فاراداي.
و ما أجهلنا على الدوام

ابتكرنا علم النفس و كتبنا فيه المراجع و نحن لا ندري ما هي النفس
و اخترعنا الساعات لنقيس الزمن و نحن لا نعرف ما هو الزمن
و سكنا الأرض منذ ملايين السنيين و مازلنا لا نعرف عنها إلا قشرتها
و يجتمع شهود الحادثة الواحدة فيختلفون في روايتها و يحكيها كل واحد بصورة. و هذا شأن الحادثة التي لم تمر عليها ساعة فما بال التاريخ الذي مر عليه ألوف السنين و كتبت فيه المجلدات، و كلها تخييل

و ما أبعدنا دائما عن الحقيقة
و ما أقل ما نعلم
و ما أقرب الفارق بيننا و بين أطفالنا في علمنا و معارفنا
بل ما أقرب الفارق بيننا و بين أطفالنا في أخلاقنا – نحن الأوصياء و المربيين و كل منا يحتضن أملاكه كما يحتضن الطفل لعبته و لا يطيق أن تمسها يد منتفع
و فينا البخيل و الشره، و الأكول و الطماع، و من يسيل لعابه على المليم
و الطفل يخطف و الكبير يسرق
و الطفل يضرب و الكبير يقتل
و الطفل يمد يده بالإيذاء و الكبير يمد عصاه و سكينه
و الطفل يرمي بحصاة و الكبير العظيم يرمي بقنبلة ذرية
ألا يحق لي بعد ذلك أن أبكي على هذا العالم من العيال الذين ظنوا أنفسهم كبارا؟

د/مصطفى محمود
الشيطان يحكم